بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد
المصطفى الكريم و على آله و صحبه أجمعين؛
السيد رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء,
السيد رئيس مجلس الأمة,
السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني,
السيد رئيس المحكمة الدستورية ,
السيد الوزير الأول ,
السيد قائد أركان الجيش الوطني الشعبي,
السيدات و السادة أعضاء الحكومة,
أصحاب السعادة , أعضاء السلك الدبلوماسي ,
زميلاتي و زملائي القضاة ,
السادة النقباء لمساعدي القضاء ,
السيدات و السادة إطارات الدولة,المدنية منها و العسكرية
السيدات و السادة الحضور,كل باسمه و مقامه,
أســـرة الإعـــــلام ,
ضيوفنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله و بركاته,
سيدي الرئيس,
إنه لشرفٌ عظيم لي بادئ ذي بدء بإِسمي الشخصي و نيابةً عن جميع زميلاتي و زملائي القضاة و موظفي المحكمة العليا أن أرحبَ بالسيد رئيس الجمهورية و بجميع الضيوف الكرام الذين يُشاركوننَا هذا الحدثْ و بعد,
إنه لَمِنْ دواعي الغِبْطة و السُّرور أن نلتقيَ اليوم في هذا الجمع الكَرِيم لإحياء ذكرى افتتاح السنة القضائية , هذا الموْعِد المكرَّس دستورياً ,و نَستَضيفْ من خلالهِ السيد رئيس الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للقضاء و القاضي الأول في البلاد و هو الذي يَعْكسُ حُضورُه بيننا مدى وَفائِهِ واهْتمامِهِ الشخصي ورِعايتهِ السامية شخصياً لقطاع العدالة تماشياً مع الأَهداف المسطرة ودفعاً معنوياً لإِرسَاء مِصداقية الجِهازْ القَضائي في المجتمع و جَعْلهِ الإِطار الدُستوري لِضمان الحريات و المساواة و الأمن القانوني.
السيد رئيس الجمهورية ,
إنَّ التاريخ يشهدُ للجزائر عَبر جميع محطاتهِ أنها كانت دائماً منبر للحُقوق و الحُرِيات و مصدراً للقيمْ الروحِية المَبْنِية عَلى المُصالحَة و الأُخُوة و الحِوارْ البَناء و يَظَل سَنَدها الرئيسي في ذلك بيانُ أول نوفمبر 1954 , و يَعُد تَزامُنْ هذه الجلسة مع التَحْضِيرات للاحْتِفال بهذا اليوم المشْهود وقَبْلَه ذكرى 17 أكتوبر 1961 ,و تَنْظيم الجزائر للقِّمة العربية لأكبر دليل على ما تَبْذله السلطات العليا للبلاد من مجهودات لِبِناء مُؤسسات بِدُستورِها الجديد تَعتَمد على ضَمان الحُقوق و الحريات و الأَمْن القانوني لتعزيز حُضورِها في مَحافِل الأمم وِفقاً لأهداف و مبادئْ المنَظمات الدولية سِيَّما منظمة الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي و جامعة الدول العربية.
ومن هذا المنطلق عَرَفتْ الساحة القضائية في إطار البرنامج المسَّطر تطبيقاً لدستور 2020 عِدَّة أَحْداث منها إشراف السيد رئيس الجمهورية على تَنْصيب المجلس الأعلى للقضاء و كذا صُدُور نصوص تشريعية كان أَهَمُها القانون العضوي الذي يُحَدِد طُرق إِنتِخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وقَواعِد تَنْظيمِه و عَملهِ , الذي جعل من المجلس الأعلى للقضاء هيئة دستورية مُكَلفة بحماية القاضي من خلال تَسْيير مَسَارِه المهني و تحسين وَضْعِه الاجتماعي و كذا حماية المتقاضي و المجتمع من أيِّ خَطَأ قضائي أو تَعَسُف , وذلك في انتظار صُدور القانون الأساسي للقضاء الذي يُعَدُ المرْجَعِية الأولى المحددة للآليات التي تُمَكِن هذا المَجْلِس من أَداء مَهامِه عن طريق تطبيق ما تَضمنه من أحكام .
سيدي الرئيــس
إن المحكمة العليا هي الواجهة الأساسية و مرآة العمل القضائي بموجب أحكام الدستور كونها تمثل الهَيْئَة المُقَوِمَة لأَعْمال المجالس القضائية و المحاكم و الضَّامِنة لِتَوحيد الاجتهاد القضائي في جَميع أنحَاء البِلاد و مُكَلفةٌ بالسَهْر على احْترام القانون , الأمر الذي يتطلب منها القيام بعمل قاعدي وفقا لنمطِ تسييرٍ مستمدٍ من قانونها العُضوي و نِظامها الداخلي وهي بذلك تعد أحد هياكل الدولة التي تعتمد عليه في تحقيق الأهداف المسطرة ضمن السياسة العامة وبرامج الحكومة في مِحورها المتعلق بقطاع العدالة, و على هذا الأساس تم إعداد برنامج عمل يَرْتَكِزْ على تصنيف و تحديد القواعد التي تُفْضي إلى تَحقيق المُبْتَغى المتمثل في ضبط المهام الدستورية المذكورة و متطلباتها , ومن ثمة كان لِزاماً القيام بدراسة تحليلية و استشرافية لإيجاد الآليات و اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تؤسس لعمل قضائي نوعي يَرقى إلى متطلبات المتقاضي و يتماشى و احترام القانون .
و عليه و نظرا لما عرفته المحكمة العليا من فراغ بعد أن أحيل جُل القضاة القُدامى ذَوي التجربة و الكفاءة المطلوبة في قضاء النقض على التقاعد و اعتبارا بأن التكوين و التأهيل هُما السَبِيلان اللَّذان من شأنهما توفير الإطار المهني لممارسة العمل القضائي النوعي و جعل المحكمة العليا في مصف هيئات النقض على المستوى الدولي , ومن باب أولى تعزيز ثقة المواطن المتقاضي في عدالته وفقا لمبادئ و قواعد تُؤَّمن الحماية لِحقوقه و سعياً لِبناء دولة الحق و القانون, تم إعداد برنامج لتأهيل القضاة الوَافِدين الجدد لتمكينهم من أداء مَهَامِهم و إنْدماجِهم بطريقة تحافظ على ديمومة العمل القضائي بالنظر إلى المناصب التي إِسْتَخْلَفوا فيها زملائهم المنتهية عُهدَتهم .
كما أنه حفاظاً على استقرار الاجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد ,الذي يقتضي استحداث الإطار القانوني و التنظيمي لضبط كل مسألة مطروحة للتقاضي أو مَحَلَّ خِلافٍ من حيث تفسير النصوص و تطبيقها, و طالما أن الاجتهاد القضائي هو أحد مصادر التشريع , انصرفت المحكمة العليا في هذا الباب إلى ضبط جميع الحالاتِ محل خلاف بين الأقسام و الغرف و تم إقرار مدونة تتضمن النقاط القانونية المفصول فيها في المجالين المدني و الجزائي يُعتمد عليها كوسيلة للعمل القضائي بعد أن عُقدت عدة لقاءات حِوارية مع جميع القضاة المعنيين حسب التخصص و المصادقة عليها بالإجماع , و لازالت العملية مستمرة بمنهجية محددة حسب التَواصل الموجود بين مصلحة متابعة الاجتهاد القضائي و هيئة الغرفة تحت إشراف الرئاسة الأولى.
و لم يتوقف نشاط المحكمة العليا عند ما سبق ذكره ,بل و في إطار التعاون مع الهيئات ذات الطابع العلمي القانوني , ونظرا لكون الجامعة هي السند الأساسي للعلم و المعرفة تم إبرام اتفاقية مع جامعة الجزائر (1) وجُسِّدَت فعلا بالتبادل العلمي و التجربة في المجالين القضائي و القانوني من خلال تعيين أساتذة جامعيين في مجلس مجلة المحكمة العليا و قضاة مستشارين لتأطير الطلبة في إعداد أطروحات الدكتوراه كخبراء, إضافة إلى الملتقيات و الندوات المبرمجة منذ السنة الماضية, هذا عن التعاون الداخلي أما فيما يتعلق بالتعاون الدولي فلقد عملت المحكمة العليا على تفعيل جميع الاتفاقيات المبرمة مع هيئات النقض وفقا لما تصبوا إليه السلطات العليا في البلاد و إقتداءً بالتوجيهات المسداة من طرفها .
أما بخصوص رقمنة العمل القضائي فلقد تم إِحصاء الاحتياجات المادية اللازمة للعصرنة و حَصَّلنَا مؤخرا على ميزانية لتنفيذ البرنامج المُسَطر غير أن ذلك لم يمنعنا كإجراء مُسْبَق من القيام باستعمال الوَسَائل المتوفرة حيث تم إِسْتِحْداث ثلاثة أقسام من غرفة الجنح و المخالفات والغرفة التجارية والبحرية و قسم من الغرفة العقارية و قسم من الغرفة الاجتماعية بالإضافة إلى لجنة التعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر و سيتم إدراج أقسام أخرى في الأيام القليلة المقبلة.
السيد الرئيس
إن النشاط القضائي في المحكمة العليا عرف زيادة معتبرة بالنظر إلى عدد القضاة المُشَكِلين للغرف و الأقسام إذ تم تسجيل خلال السنة الماضية 77988 طعن مابين مدني وجزائي مقارنة بالسنة التي سبقتها أين تَم تسجيل 64041 طعن , و رغم ذلك فان نسبة الفصل جِّدُ مَعقولة بالنظر إلى التَذَبْذُب في تِعداد القضاة حيث وَصَلَ عدد الذين غادروا المحكمة العليا لعدة أسباب منها التقاعد , الوفاة و الإلحاق بجهات أخرى إلى 100 قاض كلهم من ذوي الخبرةِ و الدِرايةِ بالعمل القضائي بالمحكمة العليا مقابل تعويضهم بعدد (55) قاض من زملائهم الجدد الذين يتطلبون فترة تأهيل و تكوين لمباشرة مهامهم .
و سَعْياً لإيجاد الحُلول الإجرائية النَاجِعَة للرفع من مستوى الفصل تماشياً مع رقمنة العمل القضائي شرعت المحكمة العليا في ضَبط نماذج عِدَّة للقرارات من حيث الشكل و المضمون عملاً بما هو مُحَدد من مسطرة إجرائية في قانوني الإجراءات المدنية و الجزائية .
و لقد أُعْطِيت الأولوية للفصل لقضايا المحبوسين و القضايا الخاصة (سيما تلك المتعلقة بالفساد و المساس بركائز الاقتصاد الوطني) التي تتطلب الإسراع في الفصل حيث تتراوح مدة جدولتها و الفصل فيها من شهر إلى أربعة أشهر كحد أقصى.
سيادة رئيس الجمهورية
إن العمل القضائي الذي يجب على المحكمة العليا أن تقوم به وفقا لمهامها الدستورية المنوطة بها يتجلى في ضرورة فصلها في الطعون في الآجال المعقولة و المعلومة و أن تُصدر الحكم الأمثل وفقا لحجم العمل المسند لكل قاض , غير أن هذه المهام مُقْتَرنة بمدى توفر الهياكل الضرورية للممارسة و في هذا السياق نُوهِب بما أَكرَمْتُموُنَا بهِ لَّماَ أسديتم التعليمات إلى السيد وزير المالية لتسجيل عملية إستعجالية لإنشاء ملحقة للمحكمة العليا بمناسبة الاحتفال بالسنة القضائية في السنة الماضية لكن المشروع بعد إتمام الدراسات لا زال لم يرى النور بسبب الإجراءات المالية المعقدة نتمنى أن يتم الإفراج عنه في قادم الأيام إن شاء الله.
سيدي الرئيس
ختاما أنهي كلمتي هذه بالتنويه بالجهود التي بذلها السيدات و السادة قاضيات و قضاة المحكمة العليا وموظفوها و أتقدم إليهم بالشكر و العرفان على ما أنجزوه من أعمال و أدعوهم للاستمرار بنفس العزيمة و الإرادة و التجنيد, إلى بذل المزيد من المجهودات للنُهوض بمستوى هيئتنا القضائية, و جَعلِها تَرقى إلى المكانة التي نَصْبُوا إليها جميعاً وِفقًا لما صَنَفَتْها الأحكام الدستورية و لبناء دولة الحق و القانون .
في الختـــام,
السيد رئيس الجمهورية ,
أجدد لكم جزيل الشكر و التقدير و العرفان باسمي شخصيا و باسم جميع قضاة وموظفي المحكمة العليا , و الشكر موصول كذلك لهذا الجمع الكريم .
وفقنا لله لما فيه خير البلاد و العباد
و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته